المرأة بين الإفراط والتفريط

بسم الله الرحمان الرحيم و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين وبعد : لا شك أن موضوع المرأة من المواضيع الحساسة في عالمنا العربي و الإسلامي ، و لا شك أنه خلق موجة لم تنتهي إلى اليوم من الأخذ والرد نتجت عنها اختلافات فقهية ، وفكرية واضحة .. وأنا اليوم لن أدخل في معركة ترجيج أحد الرأيين أو تخطيئ أحد الجانبين ، بل سأحيد عنهما لأعرض رأيهما و أناقشه بموضوعية ، حتى يتسنى لنا نحن المتتبعون الحكم على الأمر من زاوية خارجة عن دائرة تأثير كلى الفريقين .. اليوم هناك من يلبس المرأة لباس الشيطان - وهذه الفئة الأولى - فلا خروج من البيت ، ولا عمل و لا نشاط ( إن اجتماعي أو ثقافي أو سياسي ) وكل عملها البيت ، واستمروا يلغون ، وقد خرجت المرأة و تعلمت و عملت وهم لا يزالون يرددون نفس الأسطوانة ..
أما الفئة الثانية فهم أولئك المتحججون بالحرية و المساواة حيث أطلقوا العنان لعقولهم و حناجرهم ، سعيا وراء حرية مزعومة للمرأة ، تخلصها من قيود المجتمع المحافظ الرجعي ( في زعمهم و تصورهم ) . وقد تعدو في سبيل ذلك كل الخطوط الدينية و الأخلاقية بدعوى أنها لم تعد تساير العصر .. يقتطعون من كلام الله ما أعجبهم و ينكرون ما خالف هواهم .. و ينكرون من السنة و أحاديث رسول الله ما يتوهمون أنه ينقص من حجم و مكانة المرأة عن سوء فهم أو سوء تأويل .. فخرجت في بلاد إسلامية عديدة مظاهرات نسوية تقودها إيديولوجيات غريبة عن ثقافتنا و حضارتنا مولدها ( وحتى وفاتها ) في الغرب .. تطالب بالمساواة المطلقة .. في الزواج و الطلاق و الميراث .. ثم استمرت الحملة و تجسدت في أفكار و سلوكيات هدامة ، تنال من المنظومة الخلقية للمجتمعات الإسلامية ، نتج عنها ما نشهده اليوم من التفسخ الكبير .. والفساد الواضح على كافة المستويات والأصعدة .. والله المستعان .. واليوم أصبحت الظاهرة في أبرز تجلياتها ، فالمتدين يسمى متزمةً ، والمحجبة تسمى متخلفة ، وصاحب الخلق يسمى خب ؟ انقلبت المفاهيم رأسا على عقب مع هذا التيار الجارف الهدام وأصبح الهوى مدار الحكم و منتهاه .. في خضم هذه التجادبات وبين هذا التيار وذاك مساحة فارغـــــة ملأها المعتدلون من الجانبين ، ليوسعوا علينا ما ضيقه الأولون ( التيار الأول ) ، ثم ليقيدوا ما أطلقه الآخرون ( التيار الثاني) .. هذا التيار المعتدل هو الذي يلزم وجوده في مثل هذه المعركة - معركة التقييد و التفسخ - لتحتكم إليه الآراء فيحكم فيها دون إفراط و لا تفريط ، دون إفراط في قيمنا وديننا ولا تفريط في الحقوق و المكتسبات المشروعة .. فإن شئتم رأيي الشخصي ، أقول نحن اليوم في زمن اختلط فيه الحق بالباطل و أصبح الحليم فيه حيران ، كثرت الشبهات فمن استبرأ منها فقد استبرأ لدينه ومن لم يستبرأ منها يوشك أن يقع في الحرام ، لهذا فالتيسير أولى سبيل ، يا أهل العلم يسروا و لا تنفروا ، وقربوا و لا تبعدوا ، وكونوا كرسول الله صلى الله عليه وسلم في الرحمة بأمته والرفق بها و الحرص عليها ، ولنعلم إخوتي الكرام أن المرأة قبل كونها امرأة فهي أم و بعدها هي أخت ، و بعدها فهي بنت ، وإذا عكسنا الترتيب السالف تصيرا بنتا ثم أختا ثم أما ، فلو أن أحدنا اهتم بتربية ابنته ، وأحسن كل الإحسان لأخته ، وكان بارا بوالدته لاختلف الأمر جدريا و ما احتجنا إلى فلسفات الفلاسفة و لا لتشدد المتشددين، و ما كدر صفو حياتنا أي مكدر .. والسلام


اناشيد © 2008 | تصميم وتطوير حسن